إشارة مرور من نوع آخر

سان ستيفانو

كل العالم يستخدم إشارة المرور لتنظيم السير ، أخضر للانطلاق، أصفر للاستعداد وأحمر للتوقف.

إلا هنا، السير يتبع نظاما فوضويا بشكل انسيابي يقنعك بأن هذه الفوضى ليست إلا نظاما وأنت مخالف للنظام.

الحركة جارية كالنهر الصافي، لكن أصوات الأبواق لا يعلو عليها أي صوت ليس في الشوارع فقط، بل حتى في الأدوار العالية من الأبراج.

وهنا عرفت أن إشارة المرور في هذه البقعة الساحرة التي أحب هي فعلياً لتنظيم هذه الأصوات! أصوات الأبواق التي تنطلق مع الضوء الأخضر وتصبح الدنيا كقن الدجاج الذين حان وقت وجبتهم، تصير الأصوات أقل وأعلى مع الضوء الأصفر ومع الضوء الأحمر يغرق الشارع في سكون عظيم كلحظة يأس عداء لم يحصل على الميدالية الذهبية!

القوانين العالمية الموحدة سُنَّت للتنظيم، لكن وحدها الشعوب العظيمة العنيدة هي من تجعل من هذه القوانين شيء تافه.

لربما أعطيت رأياً خاطئاً أو تماديت في وصفٍ ما، لكن الجلوس مقابل الشارع مع قهوة مضبوطة وتأمل مشهد السير في الإسكندرية مشهد مُلهم حتماً ويستحق الكتابة عنه.

متى توقفت؟

هل سبق وتوقفت عن القيام بشيء لم تتوقع التوقف عنه؟ هل مرت بك عاصفة شعور قلبت الحب الذي بقلبك تجاه شخص أو شيء لكره ؟ هل قررت التوقف عن العطاء أو اللطف بين ليلة وضحاها واتهمك من حولك بالتغير ؟ هل تنازلت فجأة عن حلم طال انتظارك له وكلَّ جهدك منه؟ هل صحوت يوما على نية رمي الكثير من الأشياء التي احتفظت بها؟ هل هدمت خطة بنيتها على اقتناع ومشيت في دربها طويلا؟ لماذا ؟

نبرر تصرفاتنا المفاجئة وقفاتنا بالتعب أو الملل أو الإحباط، لكن الأمر أعقد من ذلك فهذا التعب أو الملل كان نتيجة تراكمات تشربناها ثم استفرغناها كشعور سوداوي أو كمرحلة يسميها البعض اليأس أو اللامبالاة!

الإنسان خلق ليكابد فهذه سنة الحياة وحين يتوقف عن المكابدة فهناك أسباب أكبر من كونها حالة شعورية عابرة..

كل ماتتوقف عن شيء اعتدت عليه اسأل نفسك: لماذا؟ وما الذي تعلمته من ذلك المسير!

الكثير من البشر وقالب واحد

حين خلق الله آدم شكله من طين وأعقب ذلك سلالات بشرية لا تُعد بألوان وأشكال ولغات وعادات مختلفة لكن بقالب واحد لا يختلف، نفس الأعضاء ونفس التكوين الحيوي ونفس العمليات الحيوية. كل هذه الأجساد تحتاج نفس الاحتياجات، غذاء، شرب، ملبس، عناية، جنس، علاج وغيره.

بينما خلق أشياء عديدة بأهداف وحاجات مختلفة مثل الحيوانات والنباتات والمخلوقات الأخرى! ميزنا الله على سائر خلقه وحملنا مسؤولية الأرض و إعمارها لكنه جعلنا بقالب واحد كبار وصغار، أشرار وأخيار، فقراء وأغنياء، لماذا؟ أن يميزنا عن سائر الخلق ويوازي بيننا ويتركنا نبتدع اختلافات لنتفوق بها على أقراننا؟ نحكم، نتسلط، نظلم ونخلق عوالم غريبة!

لكن من يُمعن ويتأمل يدرك، يدرك ماذا؟ أننا نتشابه كثيرا ليس فقط بتكويننا الخارجي بل حتى بدواخلنا، وهذا مايجعل الإنسان العميق يبحث و ينجذب لمن يحاكي دواخله مهما كان اختلاف اللغة، الدين، اللون أو العادات.. لأننا بشر عرفنا الحكمة الأسمى و بحثنا عن الإنسان الذي يشبهنا ..

وطوبى لمن استطاع اختيار إنسانيته وإنسانه!

يومٌ ما ..

الساعة ٣ عصرا في عيادة رقم ١٢، الأبر الجافة تقف بشموخ على امتداد فخذي الأيمن بانتظار رفعها بوقار واستبدالها بالجهاز الكهربائي و الكمادات الدافئة التي أحب. وهكذا بالتعاقب يوم أبر جافة وكهرباء ويوم علاج بالصدمات يعقب كلاهما ساعة تمارين، روتين أحبه وأحرص عليه كما أحرص على القراءة و الكتابة! لماذا ؟ لأنه وسيلتي الوحيدة لحياة أسهل و حركة أفضل.

قد تتساءلون ما الفائدة من إخباركم بذلك والتصريح عن شيء يخصني، الهدف أن تتيقنوا أن الشعور بأهمية الشيء كفيل بالتمسك به وأعني بكلامي كل من لديه أبناء أو أشخاص يهملون حاجات مهمة من دورها جعل حياتهم أفضل، قدموا النصح بلا ضغط ولا تقلقوا كثيرا يوما ما سيعرفون ويقدرون كل ماقلتوه وبذلتوه من أجلهم، الآن انتهيت من عيادة ١٢ متوجهة للتمارين وأنا أتذكر أمي حين كانت تأخذني غصبا لمواعيد العلاج الطبيعي قبل أكثر من عشرين سنة! عرفت لماذا كانت تجبرني وممتنة لها ماحييت وبعد سنوات من الإهمال عدت لألتزم بهذا الروتين لأعيش كما أحب وحتى لا أمتنع عن أنشطة تسعدني ..

فكر جيدا، هل هناك روتين لا تحبه لكنه يُحسن جودة حياتك؟ تخيل نفسك بعد عشرة أعوام من عدم ممارسته؟ هل ستكون راضٍ عن نفسك؟ لا أعتقد! قدس كل مايجعلك أفضل وأكثر صحة وحيوية..

دمتم بخير

على أتم الاستعداد

كبشر قدرنا أن ننتقل بين المراحل ، طفولة، شباب و شيخوخة وكل مرحلة تحتها مراحل أخرى؛ دراسة ، عمل ، ارتباط ، سفر و غيره. الفكرة أن الإقدام على أي خطوة يتوجب الاستعداد وليس المغامرة و دخولها دون استعداد لأن هذا العمر المناسب، العمر لا يعتبر مقياس إننا الاستعداد الداخلي و القدرة على القيام بهذه الخطوة ، الهمني بهذه الفكرة ابني الذي أكمل الثالثة دون تدريبه على ترك حفاظة الأطفال ! نعم الأمر بهذه البساطة كنت أعرف تمامًا أنه غير مستعد واسمع الكثير حولي ينتقدون وأن من بعمره يذهب لدورة المياة! حسنا هل سيؤثر ذلك على شخصه؟ مستقبله؟ ليس الأمر مجرد سباق من أتقن الشيء أولًا بل كيف أتقنه؟ كل السباقون في الأمر عانوا من البلل هنا وهنا بينما لم يأخذ الأمر مني سوى يومان! وبلا أي مشاكل لأنه كان مستعد! قس على ذلك القرارات الهامة كالارتباط أو التجارة من لم يكن مستعد سيتعرض للمشاكل ولايعني أن المستعدون لا يعانون منها، بلى ولكن لديهم الحلول المنطقية و القدرة على التعامل والأهم من ذلك المعرفة و الإحساس.